الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

قصة رحلة العبور مع البطل "عمر إدريس" ... من "جبل الڤعدة" إلى "جبل امساعد" ... صناعة القادة وكشف لخيانة العملاء


المجاهد عبد القادر بوعسرية
في شهر جوان من سنة 1957، ذهب "عمر إدريس" رفقة "الطيب فرحات"، وبمعيّة المجاهدين "أيوب" و "الشايب وعيسى" من حد الصحاري، من أجل لقاء قائد المنطقة الثامنة "النقيب لطفي" (الذي رقّي فيما بعد إلى رتبة عقيد) الذي اقترح عليهم التوجه إلى المغرب من أجل ترسيم الاتفاق الأولي، بموافقة و إشراف قائد الولاية الخامسة "عبد الحفيظ بوصوف"، وهو ما أراده "عمر إدريس" الذي استخلف وراءه نائبه "حاشي عبد الرحمان" و"عيسى بكباشي" في "جبل ڤعيڤع".
توجه عمر إدريس رفقة قائد المنطقة الثامنة "لطفي" عبر نافذة ناحية "فيڤيڤ" (تقع على الحدود مع المغرب)، وهناك اجتمع بهم قائد الولاية "عبد الحفيظ بوصوف" عضو لجنة التنسيق والتنفيذ، الذي عبر عن إعجابه وتقديره للرائد "عمر ادريس"، مؤكدا ثقته الكاملة في حسن قيادته. وفي 29 جوان 1957 تم الاتفاق على إنشاء منطقة العمليات رقم 09 .
عاد "عمر إدريس" أدراجه من المغرب إلى "جبل الڤعدة" متجها مباشرة إلى ناحية "جبل ڤعيڤع" بعدما سمع بأن "بلونيس" استحوذ على المنطقة وقام بتصفية أهم القادة الذين تركهم ورائه. ونتيجة لذلك قامت قيادة المنطقة الثامنة بتدعيمه بكتيبتين عسكريتين: الأولى تحت قيادة "لغريسي عبد الغني"، والتي أمرها بالتوجه إلى "جبل أمساعد" مباشرة أين يتواجد "سي الحواس". أما الكتيبة الثانية، فقد بقيت مع الرائد "عمر ادريس" في "جبل الڤعدة" وكانت تحت قيادة "محمد بن سليمان". واليوم نستعرض شهادة واحد من جنود تلك الكتيبة ألا وهو المجاهد "عبد القادر بوعسرية"  والذي يعد من القلائل على قيد الحياة ممن عايشوا تلك الأحداث.
خلال تواجد كتيبة "عمر إدريس" في منطقة "الڤعدة" والمناطق المجاورة لها، ونظرا للتواجد الهائل للعملاء في المنطقة، قام القائد "عمر ادريس" بعملية تصفية لأتباع "بلونيس". حيث توجه جنود الكتيبة  في بداية سبتمبر إلى  منطقة "الشايفة"  شمال بلدية زنينة  (الإدريسية). وهناك  حطوا الرحال بين منطقتي "زنينة" و"القديد". وفي صبيحة اليوم التالي توجهوا إلى منطقة "ڤطيّة" بالشارف أين تم أسر أتباع "بلونيس" وتتواصل الرحلة إلى منطقة "الحميرات" حيث مكثوا هناك عند المجاهد "السعيد بوزرقاط".
 توجهت بعدها الكتيبة، التي كان تعدادها 130 جنديا، إلى شمال "جبل حواص". وبالضبط بمنطقة "واد الزوبية" أين وصلت حينها رسالة إلى "عمر ادريس" مفادها أن السلاح قد وصل إلى" جبل القعدة"،  فقرر هذا الأخير الرجوع رفقة  الكتيبة نحو "جبل الڤعدة" عبر  منطقة "الزباش" حيث نصبوا كمينا لأتباع "بلونيس" فقتلوا منهم أربعة أحدهم يدعى "المسعود الأحمر" والثاني يدعى "صافيرا". كما تمّ أيضا القبض على جندي أخر يدعى "الطيب" ليتم تجنيده في الكتيبة وبقي محافظا على العهد حتى الاستقلال.
الملازم الثاني بوعسرية عبد القادر والمجاهد رابح واضح خلال شهر مارس 1962
بعدها انتقلت الكتيبة إلى شمال "تعظميت"، وهي المنطقة التي استغلت الكتيبة طابعها النباتي المتميز بكثافة أشجار الطرفة، في تلك الأثناء قام عمر إدريس بإيفاد شاحنة إلى "الدويس" من أجل جلب المؤونة لكن هذا الشخص خان الكتيبة وقام بإبلاغ أتباع "بلونيس" فوقع اشتباك بينهم لتنسحب بعدها الكتيبة إلى "جبل لزرق" حيث أنهم نجوا من القوات الفرنسية التي كانت تستكشف المكان بالحوامات والكشافة.
تعتبر رحلة رجوع كتيبة "عمر ادريس" إلى "جبل الڤعدة" شاقة. ولكن كان الهدف من تلك الرحلة التزود بالسلاح وتطويره، لأنهم كانوا يحوزون أسلحة غير متطورة والتي تم تغييرها  بأسلحة "لعشاري" و"الموزير" وسلاح "30 ألمانية".   
مكثت كتيبة "عمر ادريس" في "جبل الڤعدة" مدة شهرين، أي  طيلة شهري أكتوبر ونوفمبر 1957 ، لتبدأ الرحلة من جديد. فقد توجهوا من جديد صوب  منطقة "ڤطية" بالشارف ليجدوا المنطقة محتكرة من طرف جيش "مفتاح" أحد أتباع بلونيس. وهناك نشبت  بينهم مناوشات مدة يومين حيث وجّه الرائد "عمر ادريس" نداء إلى أتباع بلونيس من أجل الانضمام إلى جيش التحرير لكنهم أبوا الانضمام فأمر جنود الكتيبة بمحاربتهم.
image

فرقة من جنود جيش التحرير (الناحية الثانية المنطقة الثانية الولاية السادسة) بقيادة الملازم الثاني بوعسرية عبد القادر -على اليمين-  ويظهر على اليسار ملوك بن الدين وبجانبه حساني محمد وفي وسط الصف الأول صادقي الصادق وخلفه احمد بن عيسى
بعد الاشتباكات المتقطعة بين جيش التحرير تحت قيادة "عمر إدريس" وأتباع "مفتاح"، توجهت الكتيبة، التي كان المجاهد "بوعسرية" أحد جنودها، إلى منطقة "بن يعڤوب" ومن ثم إلى منطقة تسمى "شجرة الدهان" حيث اشتبكوا مجدّدا مع أتباع "بلونيس" ويومها  سقط أحد الجنود  شهيدا، وهو مجاهد أصله من "السوقر"، ولاية تيارت حاليا. وحسب المجاهد "بوعسرية"، فقد تكبّد أتباع بلونيس يومها خسائر فادحة في الأرواح. واثر ذلك، واصلت الكتيبة تحرّكاتها عبر  منطقة "شعب زمرة"، ببلدية "زنينة"، حيث عبروا من خلالها إلى "جبل الڤعدة". ويقول المجاهد بوعسرية في شهادته أن كل الخطوات التي قام بها "عمر إدريس" كانت محاولات عبور إلى المنطقة الثالثة من الولاية الأولى  والتي يرأسها "سي الحواس". حيث كانت مهمة الكتيبة الأولى فتح الطريق للكتيبة الثانية التي يقودها "سي الحواس".
دام مكوث كتيبة "عمر ادريس" في "جبل القعدة" إلى غاية 15 جانفي 1958، حيث كانوا يستمعون إلى تعليمات قادة الولاية الخامسة "عبد الحفيظ بوصوف" و"هواري بومدين" عبر جهاز الإشارة اللاسلكي أو "ترونسميسيون"، فقد كان خطابا معبرا حماسيا عن مدى التضحيات التي يجب أن يقدمها "عمر إدريس" ورفقاؤه مؤكدين أن "بلونيس" وحركته ستنتهي في القريب العاجل لأنه محاصر من جميع الجهات سواء من الجهة الشرقية "المنطقة الثالثة" من الولاية الأولى التي يقودها "سي الحواس" أو "المنطقة الثامنة" من الولاية الخامسة والتي يقودها "سي لطفي" بالإضافة إلى الولاية الرابعة.
مع منتصف جانفي 1958 توجهت الكتيبة نحو منطقة "الضحيحيكة" المحاذية لمنطقة "بحرارة"،  حيث أنهم خاضوا معركة  ضد قوات "بلونيس" والجيش الفرنسي. وهنا يحكي  المجاهد "بوعسرية" تفاصيل المعاناة مع الظروف المناخية التي وصفها بـ "القاسية جدا" كونها تزامنت وتساقط الأمطار والثلوج ونقص المؤونة. حيث ذكر المتحدث أن غذاء جنود الكتيبة في عديد المرات كان "البلوط" و"العرعار".
 معركة المڤڤشة (العريڤيب) بجبل مناعة في 20/21 جانفي 1958
 تواصلت بعدها الرحلة إلى منطقة المڤڤشة بـ "جبل مناعة" في يوم 20 جانفي 1958، نواحي "دار الشيوخ" غير بعيد عن مكان تواجد مقر إدارة "بلونيس"، وبعد الاستفزازات التي قام بها أتباع "بلونيس" لجيش التحرير الوطني، قرر حينها "عمر ادريس" المبيت في "مناعة". وهناك ألقى خطابا في تلك الليلة تحدث فيه عن خيانة "بلونيس" واصفا إياه بأنه تلاعب بطموح الشعب في الحرية وباستغلاله العلم الوطني، متحديا بذلك أعداءه من الخونة والاستعمار ولهذا طلب من جنود الكتيبة بأن يحفر كل جندي خندقه وإذا تحتم الحال فليكن قبره.
في اليوم الموالي الموافق لـ 21 جانفي 1958، استنفر الجنرال "بلونيس" أتباعه الذين زحفوا نحو جبل "مناعة" القريب من "دار الشيوخ" لإلقاء القبض على "عمر إدريس" وجنوده. حيث أمر جنوده بإحضار الحبال من أجل القبض على "عمر إدريس" وأتباعه أحياء ، ويقوم بتكتيفهم ولكن المفاجأة كانت كبيرة له. فقد كان  الرد العنيف والرماية المركزة، بفضل التسليح الجيّد لأفراد الكتيبة، مما جعل قوات بلونيس تفقد العشرات من جنودها في الساعات الأولى من الهجوم. وقد دامت المعركة يومين، حاول فيها العدو إحداث ثغرة في صفوف الكتيبة المحصنة ولكن دون جدوى، مما اضطر الخونة إلى الانسحاب فاسحين المجال للفيلق الفرنسي لتطويق المنطقة خلال الليلة الثانية، لكن الكتيبة كانت قد خرجت من الحصار تحت جنح الظلام والضباب الكثيف منتصرة ولم يُصب أحد من أفرادها بأذى، فيما قتل من جيش "بلونيس" 70 جنديا.
انتقلت بعدها الكتيبة إلى منطقة "الطريفية"، جنوب مدينة امجدل، حيث توفرت لهم المؤونة هناك فقد ذبحوا يومها 07 نعاج ، وقد كان الجو يومها مساعدا لهم أين استغلوا فضل الضباب الكثيف  من أجل التسلل عبر الطرق والمسالك.
 معركة الزرقة  "جبل الزرڤة- الهامل" 02 فيفري 1958
لم يهضم الاستعمار وأعوانه من جيش "بلونيس" الهزيمة التي لحقت بهم في "مناعة"، فقرروا ملاحقة كتيبة "عمر إدريس" المتجهة نحو الشرق، ولأنّ أفراد قيادة الكتيبة الثانية كانوا يتوقعون ملاحقة العدو لهم، احتاطوا للأمر وأسرعوا نحو "جبل الزرڤة"، قرب بلدية "الهامل" حاليا، وذلك يوم 02 فيفري 1958، وتم توزيع الكتيبة إلى ثلاث فرق في خطة محكمة. ولمّا توغلت قوات العدو المشتركة ووقعت في الفخ المنصوب لها، بدأ وابل الرصاص من كل الجهات وتصايحوا في جنبات الوادي وهم يركضون في كل الاتجاهات، وكان القائد "روكول" قد لقي مصرعه مع إطلاق الرصاصة الأولى التي أطلقها المجاهد "بن الدين" والتي اخترقت رأس القائد الفرنسي بسلاح تم غنمه في اشتباك "بحرارة" ضد الخونة. وبهذا أضاف المجاهدون انتصارا آخر إلى انتصاراتهم السابقة. أما بالنسبة للشهداء، فقد فقدت الكتيبة أحد جنودها يدعى "جلول مڤلاتي" من "بوسعادة"  وهو الكاتب الخاص لـ "عمر إدريس".
بعدها انتقلت الكتيبة نحو منطقة "البالا" ومما يلاحظ هنا حول الدور المهم الذي يلعبه القائد "عمر ادريس" حينما ضاقت بهم السبل وغابت عنهم المؤونة، حيث أنه وفي منطقة البالا توجه رفقة مجموعة من الجنود إلى منطقة واد الشعير  إلى عرش "أولاد خالد" واستطاع  أن يجلب لهم ما يقتاتون به في تلك الرحلة علما أن سبب غياب المؤونة في تلك المرحلة هو الطوق الذي ضربته فرنسا على المنطقة حيث أنها تحالفت مع "بلونيس".
كانت وجهة الكتيبة الثانية التي يقودها "عمر ادريس" بعدها إلى منطقة "الزعفرانية" حيث كان اللقاء مع "سي الحواس" وقد كان المكوث أياما بسببها علمت فرنسا و"بلونيس" بمكانهم فوقعت معركة "الزعفرانية" في شهر فيفري 1958.
image
مجموعة من المجاهدين (الناحية الثانية المنطقة الثانية الولاية السادسة) من اليمين الى اليسار : عثماني بوحوص،  بوعسرية عبد القادر، البهاهي، حساني محمد، بوطراد،هزيل إسماعيل
فبينما كان القائدان "عمر إدريس" و "سي الحواس" يعدان خطة عسكرية للقضاء على "بلونيس" ومن معه، تفطن العدو الفرنسي لتمركز وحدات الجيش. فحشد قوات ضخمة بعددها وعدتها مدعمة بجيش الخائن "بلونيس"، وحاول الهجوم على تمركز جيش التحرير الذي تصدى بقوة، وباءت كل محاولاته بالفشل الذريع وهنا استنجد العدو بأكبر عدد ممكن من أنواع الطائرات ودامت المعركة يوما كاملا انتصر فيها أبطال جيش التحرير انتصارا باهرا رفع من معنويات الجيش ومواطني المنطقة...
بعد انتهاء المعركة توجهت الكتيبة بقيادة "عمر إدريس" إلى منطقة "البالا" ومع الخناق الذي فرضته فرنسا و"بلونيس" على المنطقة، أمر "عمر إدريس" مجموعة من الجنود بالتوجه نحو منطقة "مناعة" من أجل جلب المؤونة وكان من بين الجنود آنذاك "المبخوت البار" واستمرّت الكتيبة في المناطق إلى حدود شهر جوان أين وقع الانقلاب على "بلونيس" في دار الشيوخ ليستغل جيش "عمر إدريس" ذلك التململ داخل جيش بلونيس ويحكم سيطرته على المنطقة خصوصا بعد هروب "بلونيس".
 المصادر والمراجع
- لقاء مع  المجاهد "سارية بودخيل" رحمه الله  بمنطقة قعيقع يوم 19 ماي 2009 اللقاء نظمته جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة بالجلفة بمناسبة إحياء ذكرى عيد الطالب
- محمد عباس، كواليس التاريخ، الخبر اليومي، الخميس 17 افريل 2008، العدد5297،
بن عمر مصطفى ، الطريق الشاق إلى الحرية، دار هومة، 2009
- جمعية أول نوفمبر لتخليد وحماية مآثر الثورة بالجلفة، مآثر جيش التحرير بالولاية السادسة التاريخية، 2004
- سليمان قاسم، تاريخ الولاية السادسة المنطقة الثانية – من بداية التأسيس إلى نهاية بلونيس،  منشورات الجلفة إنفو، طباعة دار الكتاب العربي 2013
- لقاء مع المجاهد "عبد القادر بوعسرية" في منطقة قطية بالشارف، اللقاء نظمته جمعية اول نوفمبر لتخليد وحماية ماثر الثورة بالجلفة ماي 2013

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Best Buy Coupons تعريب : ق,ب,م